فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{فَسُبْحَانَ اللَّه حينَ تُمْسُونَ وَحينَ تُصْبحُونَ (17)}.
أخرج الفريابي وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أدنى ما يكون من الحين بكرة وعشيا، ثم قرأ {فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون}.
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن أبي رزين رضي الله عنه قال: جاء نافع بن الأزرق إلى ابن عباس رضي الله عنهما قال: هل تجد الصلوات الخمس في القرآن؟ قال: نعم. فقرأ {فسبحان الله حين تمسون} صلاة المغرب، {وحين تصبحون} صلاة الصبح {وعشيا} صلاة العصر {وحين تظهرون} صلاة الظهر وقرأ {ومن بعد صلاة العشاء}.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جمعت هذه الآية مواقيت الصلاة {فسبحان الله حين تمسون} قال: المغرب والعشاء {وحين تصبحون} الفجر {وعشيا} العصر {وحين تظهرون} الظهر.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد، مثله.
وأخرج أحمد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن السني في عمل يوم وليلة والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدعوات عن معاذ بن أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم لم سمّى الله إبراهيم خليله الذي وفى لأنه كان يقول كلما أصبح وأمسى {سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وعشيًا وحين تظهرون}».
وأخرج أبو داود والطبراني وابن السني وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قال حين يصبح {سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وعشيًا وحين تظهرون يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون} أدرك ما فاته في يومه، ومن قالها حين يمسي أدرك ما فاته من ليلته».
وأخرج ابن مردويه والخرائطي في مكارم الأخلاق عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال حين أصبح سبحان الله وبحمده ألف مرة فقد اشترى نفسه من الله، وكان آخر يومه عتيقًا من النار».
وأخرج ابن ماجة في تفسيره وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال عمر رضي الله عنه: أما الحمد فقد عرفناه، فقد يحمد الخلائق بعضهم بعضًا، وأما لا إله إلا الله فقد عرفناها، فقد عبدت الآلهة من دون الله، وأما الله أكبر فقد يكبر المصلي، وأما سبحان الله فما هو؟ فقال رجل من القوم: الله أعلم! فقال عمر رضي الله عنه: قد شقي عمر إن لم يكن يعلم أن الله يعلم، فقال علي رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين اسم ممنوع أن ينتحله أحد من الخلائق، وإليه يفزع الخلق، واحب أن يقال له، فقال: هو كذاك.
وأخرج أحمد والحاكم والضياء عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله اصطفى من الكلام أربعًا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. فمن قال سبحان الله؛ كتبت له عشرون حسنة، وحطت عنه عشرون سيئة، ومن قال الله أكبر؛ مثل ذلك، ومن قال لا إله إلا الله؛ مثل ذلك، ومن قال الحمد لله رب العالمين. من قبل نفسه له ثلاثون حسنة، وحطت عنه ثلاثون سيئة».
وأخرج ابن عساكر عن الحسن البصري رضي الله عنه قال: من قرأ الآيات {فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون} إلى آخرها؛ لم يفته شيء في يومه وليلته، وأدرك ما فاته من يومه وليلته.
{وَمنْ آيَاته أَنْ خَلَقَكُمْ منْ تُرَابٍ ثُمَّ إذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشرُونَ (20)}.
أخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {ومن آياته} قال: كل شيء في القرآن آيات. بذلك تعرفون الله. إنكم لن تروه فتعرفونه على رؤية، ولكن تعرفونه بآياته وخلقه.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {ومن آياته أن خلقكم من تراب} قال: خلق آدم من تراب {ثم إذا أنتم بشر تنتشرون} يعني ذريته {ومن آياته إن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا} قال: حواء. خلقها الله من ضلع من أضلاع آدم.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه في قوله: {وجعل بينكم مودة} قال: الجماع {ورحمة} قال: الولد.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه {ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره} قال: قامتا بأمره {بغير عمد ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون} قال: دعاهم من السماء فخرجوا من الأرض.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {إذا أنتم تخرجون} قال: من قبوركم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الأزهر بن عبد الله الجزاري قال: يقرأ على المصاب إذا أخذ {ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون}.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {كل له قانتون} يقول: مطيعون يعني الحياة والنشور والموت. وهم عاصون له فيما سوى ذلك من العبادة. والله تعالى أعلم.
{وَهُوَ الَّذي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْه وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى في السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَهُوَ الْعَزيزُ الْحَكيمُ (27)}.
أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف عن عكرمة قال: تعجب الكفار من احياء الله الموتى، فنزلت {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه} قال: اعادة الخلق أهون عليه من ابتدائه.
وأخرج آدم بن أبي أياس والفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري والبيهقي في الأسماء والصفات عن مجاهد في قوله: {وهو أهون عليه} قال: الاعادة أهون عليه من البداءة، والبداءة عليه هين.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وهو أهون عليه} قال: أيسر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه في الآية قال: في عقولكم، اعادة شيء إلى شيء كان، أهون من ابتدائه إلى شيء لم يكن.
وأخرج ابن الأنباري عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وهو أهون عليه} قال: الاعادة أهون على المخلوق لأنه يقول له يوم القيامة {كن فيكون} وابتداء الخلق من نطقة، ثم من علقة، ثم من مضغة.
وأخرج ابن المنذر عن الحسن رضي الله عنه قال: كل عليه هين.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وله المثل الأعلى} يقول {ليس كمثله شيء} [الشورى: 11].
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه {وله المثل الأعلى} قال: شهادة أن لا إله إلا الله.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه {وله المثل الأعلى} قال: مثله أنه لا إله إلا هو، ولا معبود غيره. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله: {حينَ تُمْسُونَ} تُمْسُون وتُصْبحون تامَّان أي: تَدْخلون في المساء والصباح، كقولهم: إذا سَمعْتَ بسُرى القَيْن فاعلَمْ بأنَّه مُصْبحٌ أي: مُقيم في الصباح. والعامَّةُ على إضافة الظرف إلى الفعل بعده. وقرأ عكرمةُ {حينًا} بالتنوين. والجملةُ بعده صفةٌ له. والعائدُ حينئذٍ محذوفٌ أي: تُمْسُون فيه كقوله: {واخشوا يَوْمًا لاَّ يَجْزي وَالدٌ عَن وَلَده} [لقمان: 33]. والناصب لهذا الظرف سُبْحانَ لأنه نابَ عن عامله.
{وَلَهُ الْحَمْدُ في السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَعَشيًّا وَحينَ تُظْهرُونَ (18)}.
قوله: {وَعَشيًّا} عطفٌ على {حينَ} وما بينهما اعتراضٌ. و{في السماوات} يجوزُ أَنْ يتعلَّقَ بنفس الحمد أي: إنَّ الحمدَ يكون في هذين الظرفين.
{يُخْرجُ الْحَيَّ منَ الْمَيّت وَيُخْرجُ الْمَيّتَ منَ الْحَيّ وَيُحْيي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتهَا وَكَذَلكَ تُخْرَجُونَ (19)}.
وقد تقدم خلافُ القُراء في تخفيف {الميت} وتثقيله وكذا قوله: {تُخْرَجون} في سورة الأعراف. و{كذلك} نعتُ مصدرٍ محذوفٍ أي: ومثلَ ذلك الإخراج العجيب تُخْرَجون.
{وَمنْ آيَاته أَنْ خَلَقَكُمْ منْ تُرَابٍ ثُمَّ إذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشرُونَ (20)}.
قوله: {وَمنْ آيَاته أَنْ خَلَقَكُمْ} مبتدأٌ وخبر أي: ومن جملة علامات توحيده وأنه يَبْعَثكُم خَلْقُكم واختراعُكم. و{منْ} لابتداء الغاية.
قوله: {ثُمَّ إذَآ أَنتُمْ}. الترتيبُ والمُهْملة هنا ظاهران؛ فإنهم إنما يصيرون بَشَرًا بعد أطوارٍ كثيرةٍ. {وتَنْتشرون} حالٌ. و{إذا} هي الفجائيةُ. إلاَّ أنَّ الفجائيةَ أكثرُ ما تقع بعد الفاء لأنها تَقْتضي التعقيبَ. ووجهُ وقوعها مع {ثُمَّ} بالنسبة إلى ما يليقُ بالحالة الخاصة أي: بعد تلك الأطوار التي قَصَّها علينا في موضعٍ آخرَ منْ كوننا نُطْفَةً ثم علقةً ثم مضغةً ثم عَظْمًا مجردًا ثم عَظْمًا مَكْسُوًَّا لحمًا فاجأ البشريَّةَ والانتشارَ.
{وَمنْ آيَاته خَلْقُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَاخْتلَافُ أَلْسنَتكُمْ وَأَلْوَانكُمْ إنَّ في ذَلكَ لَآيَاتٍ للْعَالمينَ (22)}.
قوله: {واختلاف أَلْسنَتكُمْ} أي: لغاتكم من عَرَبٍ وعَجَمٍ، مع تنوُّع كلٍ من الجيلين إلى أنواعٍ شتى لاسيما العجمُ، فإن لغاتهم مختلفةٌ، وليس المرادُ بالألسنة الجوارحَ.
قوله: {للعالمين} قرأ حفصٌ بكسر اللام جعله جمعَ عالم ضدَّ الجاهل. ونحوُه {وَمَا يَعْقلُهَآ إلاَّ العالمون} [العنكبوت: 43] والباقون بفتحها؛ لأنها آياتٌ لجميع الناس، وإن كان بعضُهم يَغْفُلُ عنها. وقد تقدَّم أولَ الفاتحة الكلامُ في {العالمين} هل هو جمعٌ أو اسمُ جمع؟ فعليك باعتباره ثَمَّةَ.
{وَمنْ آيَاته مَنَامُكُمْ باللَّيْل وَالنَّهَار وَابْتغَاؤُكُمْ منْ فَضْله إنَّ في ذَلكَ لَآيَاتٍ لقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23)}.
قوله: {مَنَامُكُم بالليل والنهار} قيل: في الآية تقديمٌ وتأخيرٌ ليكونَ كلُّ واحدٍ مع ما يلائمه. والتقدير: ومنْ آياته منامُكم بالليل وابتغاؤكم منْ فضله بالنهار، فحُذف حرفُ الجرّ لاتصاله بالليل وعَطْفه عليه؛ لأنَّ حرفَ العطف قد يقومُ مَقامَ الجارّ. والأحسنُ أَنْ يُجْعَلَ على حاله، والنومُ بالنهار ممَّا كانَت العربُ تَعُدُّه نعمةً من الله، ولاسيما في أوقات القَيْلولة في البلاد الحارَّة.
{وَمنْ آيَاته يُريكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزّلُ منَ السَّمَاء مَاءً فَيُحْيي به الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتهَا إنَّ في ذَلكَ لَآيَاتٍ لقَوْمٍ يَعْقلُونَ (24)}.
قوله: {يُريكُمُ البرق} فيه أوجهٌ، أحدُها:- وهو الظاهرُ الموافقُ لإخوانه- أَنْ يكونَ جملةً من مبتدأ أو خبرٍ، إلاَّ أنه حُذفَ الحرفُ المصدريُّ، ولمَّا حُذفَ بَطَلَ عملُه. والأصل: ومنْ آياته أَنْ يُريَكم كقوله:
ألا أيُّهذا الزاجريْ أَحْضُرُ الوغَى

الثاني: أنَّ {منْ آياته} متعلّقٌ ب {يُريكم} أو بمحذوفٍ على أنه حالٌ من البرق. والتقديرُ: ويُريْكم البرقَ منْ آياته، فيكون قد عَطَفَ جملةً فعليةً على جملةٍ اسمية.
الثالث: أنَّ {يُريْكُم} صفةٌ لموصوفٍ محذوفٍ أي: ومنْ آياته آيةٌ يُريكم بها، أو فيها البرقُ فحُذفَ الموصوف والعائدُ عليه. ومثلُه:
وما الدَّهْرُ إلاَّ تارَتان ** فمنْهما موتُ

أي: فمنهما تارةٌ أموتُ فيها.
الرابع: أنَّ التقديرَ: ومن آياته سحابٌ أو شيءٌ يُريكم. ف {يُريكم} صفةٌ لذلك المقدر، وفاعلُ {يُريكم} ضميرٌ يعود عليه بخلاف الوجه قبله؛ فإنَّ الفاعلَ ضميرُ الباري تعالى.
{وَمنْ آيَاته أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بأَمْره ثُمَّ إذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً منَ الْأَرْض إذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25)}.
قوله: {مّنَ الأرض} فيه أوجهٌ، أحدها: أنه متعلّقٌ ب {دَعاكم} وهذا أظهرُ.
الثاني: أنَّه متعلقٌ بمحذوفٍ صفةً ل دَعْوة. الثالث: أنه متعلّق بمحذوفٍ يَدُلُّ عليه {تَخْرُجون} أي: خَرَجْتُمْ من الأرض. ولا جائزٌ أَنْ يتعلَّق ب {تَخْرُجون} لأنَّ ما بعد {إذا} لا يعملُ فيما قبلها. وللزمخشري هنا عبارةٌ جيدة.
{وَهُوَ الَّذي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْه وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى في السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَهُوَ الْعَزيزُ الْحَكيمُ (27)}.
قوله: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْه} في {أَهْوَن} قولان، أحدهما: أنها للتفضيل على بابها. وعلى هذا يُقال: كيف يُتَصَوَّرُ التفضيلُ، والإعادةُ والبُداءة بالنسبة إلى اللَّه تعالى على حدٍّ سواء؟ في ذلك أجوبة، أحدها: أنَّ ذلك بالنسبة إلى اعتقاد البشر باعتبار المشاهَدَة: منْ أنَّ إعادَة الشيء أهونُ من اختراعه لاحتياج الابتداء إلى إعمال فكر غالبًا، وإن كان هذا منتفيًا عن الباري سبحانَه وتعالى فخوطبوا بحسَب ما أَلفوه.
الثاني: أنَّ الضميرَ في {عليه} ليس عائدًا على الله تعالى، إنما يعودُ على الخَلْق أي: والعَوْدُ أهونُ على الخَلْق أي أسرعُ؛ لأن البُداءةَ فيها تدريجٌ منْ طَوْرٍ إلى طَوْر، إلى أنْ صار إنسانًا، وَالإعادةُ لا تحتاجُ إلى هذه التدريجات فكأنه قيل: وهو أقصرُ عليه وأَيْسَرُ وأقلُّ انتقالًا.
الثالث: أنَّ الضميرَ في {عليه} يعودُ على المخلوق، بمعنى: والإعادةُ أهونُ على المخلوق أي إعادتُه شيئًا بعدما أَنْشأه، هذا في عُرْف المخلوقين، فكيف يُنْكرون ذلك في جانب اللَّه تعالى؟
والثاني: أنَّ {أهونُ} ليسَتْ للتفضيل، بل هي صفةٌ بمعنى هَيّن، كقولهم: اللَّهُ أكبرُ أي: الكبير. والظاهرُ عَوْدُ الضمير في {عليه} على الباري تعالى ليُوافقَ الضميرَ في قوله: {وَلَهُ المثل الأعلى}. قال الزمخشري: فإن قلتَ: لمَ أُخّرَت الصلةُ في قوله: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْه} وقُدّمَتْ في قوله: {هُوَ عَلَيَّ هَيّنٌ}؟ قلت: هنالك قُصدَ الاختصاصُ، وهو مَحَزُّه فقيل: هو عليَّ هيّنٌ وإن كان مُسْتَصعبًا عندك أن يُوْلَدَ بين همٍّ وعاقر، وأمَّا هنا فلا معنى للاختصاص. كيف والأمرُ مبنيٌّ على ما يعقلون من أنَّ الإعادةَ أسهلُ من الابتداء؟ فلو قُدّمَت الصلة لَتَغيَّر المعنى. قال الشيخ: ومبنى كلامه على أنَّ التقديمَ يُفيد الاختصاصَ وقد تكلَّمْنا معه ولم نُسَلّمه. قلت: الصحيحُ أنه يُفيده، وقد تقدَّم جميعُ ذلك.
قوله: {وَلَهُ المثل الأعلى} يجوز أَنْ يكونَ مرتبطًا بما قبلَه، وهو قولُه: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْه} أي: قد ضَرَبه لكم مَثَلًا فيما يَسْهُل وفيما يَصْعُبُ. وإليه نحا الزجَّاج أو بما بعدَه منْ قوله: {ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلًا مّنْ أَنفُسكُمْ} [الروم: 28] وقيل: المَثَلُ: الوصفُ. و{في السماوات} يجوز أَنْ يتعلَّق بالأَعْلى أي: إنه علا في هاتين الجهتين، ويجوز أَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنَّه حالٌ من الأعلى، أو من المَثَل، أو من الضمير في {الأَعْلى} فإنه يعودُ على المَثَل.
قوله: {منْ أَنْفُسكم} {منْ} لابتداء الغاية في موضع الصفة ل مَثَلًا أي: أَخَذَ مثلًا، وانتزعه منْ أقرب شيءٍ منكم هو أنفسكُم. اهـ.